بسم الله الرحمن الرحيم
الصلاة و السلام على محمد و على آله و صحبه أجمعين أما بعد.كثر الحديث عن عبارة و إن جلد ظهرك و أخذ مالك فقالوا أراد الرسول صلى عليه و سلم المبالغة كقوله كمفحص قطاة و هذا قياس باطل و تخبيص لأن المعنى أن الرسول صلى الله عليه و سلم لم يجيز الظلم فحسب بل بالغ فيه حشاه صلى الله عليه و سلم و منهم من قال أن الحديث ضعيف و أيضاً غير صحيح.
الجدير بالذكر أن هذا الحديث قدمه العلماء (؟) بطبق من ذهب للظالمين ليقوموا من خلاله بأكل أموال الناس و جلدهم و العياذ بالله.
و تجد أن الظالمين يطبقون هذا الحديث بحذافيره لأن فيه مصلحتهم و يتركون باقي الدين إذا لم كله.
نقول و بالله التوفيق إن الحديث صحيح لا شك فيه بإذن الله - الحديث (إن الناس كانوا يسألون رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم عن الخير ، وكنت أسأله عن الشر . فأحدقه القوم بأبصارهم ، فقال : إني قد أرى الذي تنكرون ! إني قلت : يا رسول اللهِ ! أرأيت هذا الخير الذي أعطانا الله ، أيكون بعده شر ، كما كان قبله ؟ قال : نعم . قلت : فما العصمة من ذلك ؟ قال : السيف . قلت : يا رسول اللهِ ، ثم ماذا ؟ قال : إن كان لله خليفة في الأرض ، فضرب ظهرك ، وأخذ مالك ، فأطعه وإلا فمت وأنت عاض بجذل شجرة . قلت : ثم ماذا ؟ قال : ثم يخرج الدجال معه نهر ، ونار ، فمن وقع في ناره وجب أجره ، وحط وزره ، ومن وقع في نهره وجب وزره وحط أجره . قال : قلت : ثم ماذا ؟ قال : ثم هي قيام الساعة
الراوي: حذيفة بن اليمان المحدث: أبو داود - المصدر: سنن أبي داود - الصفحة أو الرقم: 4244
خلاصة حكم المحدث: سكت عنه [وقد قال في رسالته لأهل مكة كل ما سكت عنه فهو صالح) و أيضاً ( قلت : يا رسول الله ! إنا كنا بشر . فجاء الله بخير . فنحن فيه . فهل من وراء هذا الخير شر ؟ قال ( نعم ) قلت : هل من وراء ذلك الشر خير ؟ قال ( نعم ) قلت : فهل من وراء ذلك الخير شر ؟ قال ( نعم ) قلت : كيف ؟ قال ( يكون بعدي أئمة لا يهتدون بهداي ، ولا يستنون بسنتي . وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس ) قال قلت : كيف أصنع ؟ يا رسول الله ! إن أدركت ذلك ؟ قال ( تسمع وتطيع للأمير . وإن ضرب ظهرك . وأخذ مالك . فاسمع وأطع ) .
الراوي:حذيفة بن اليمان المحدث: مسلم - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 1847
خلاصة حكم المحدث: صحيح.
لننظر إلى الراوي و هو حذيفة بن اليمان رضي الله عنه و مما أقره على نفسه أنه كان يسأل عن الشر.
لو ذهبنا إلى القرآن الكريم لوجدنا أن هناك أناس يسألون عن الأهلة و عن الشهر الحرام قتال فيه و عن المحيض يقول سبحانه و تعالى ( يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوْا الْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُواْ الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُواْ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) هنا يسألون عن الأهلة و غيرها من الآيات. و لكن هناك أشياء منهي عن السؤال عنها لما فيها من الشر يقول الله سبحانه و تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاء إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِن تَسْأَلُواْ عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ - قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِّن قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُواْ بِهَا كَافِرِينَ ) نهى ربنا عن السؤال عن أشياء لما فيها من الشر و لكن يجوز السؤال عنها لحظة نزول القرآن كما هو في الأية و فيها أن الله قد عفا عنها ما هو ( العفو ).
العفو لغة هو محو الشي و طمسه و تركه أي أنك ترجعه إلى أصله مثال لو أن لك صديق حميم تحبه كثيرا فجاء و قد قتل ابنك فلو قلت له غفرت لك نفهم أنك لن تقيم عليه الحد و لكن ربما لا تحبه كثيرا كما كنت و لكن لو قلت له عفوت عنك فذلك يعني أنك لن تقيم عليه الحد و كذلك تبقى على حبه الشديد تجاهه أي أنك رجعت لحالتك الأولى من حبه.
لو رجعنا إلى الحديث لوجدنا أن الرسول صلى الله عليه و سلم ذكر فيه الشر كقوله قلوب شياطين في جثمان إنس و ذكر ( و إن جلد ظهرك و أخذ مالك ) نفهم أن هذه العبارة مما عفا الله عنها أي ليست أصلاً في الشرع إذ الأصل في الإمام أو خليفة في الأرض لله أن نسمع و نطيع في المعروف يقول الله سبحانه و تعالى ( فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنفِقُوا خَيْرًا لّأَنفُسِكُمْ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) فلم يذكر هنا ربنا سبحانه و تعالى جلد الظهر و لا أخذ المال و يقول الرسول صلى الله عليه و سلم ( اسمعوا وأطيعوا ، وإن استعمل عليكم عبد حبشي ، كأن رأسه **يبة ) و لم يذكر هنا رسول الله صلى الله عليه و سلم جلد الظهر أو أخذ المال.
ثم ذكر الدجال معه نار و جنة فمن وقع في ناره و جب أجره و من وقع في جنته وجب وزره و هذا أيضاً مما عفا الله عنه لأن الأصل في الدجال أنك إذا سمعت به في بلد ما فررت منه إلى بلد آخر و إذا لقيته لا تقع في ناره و لا جنته بل تقرأ عليه فواتح سورة الكهف كما جاء في الحديث ( فمن أدركه منكم فليقرأ عليه فواتح سورة الكهف )و قال صلى الله عليه و سلم ( من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف ، عصم من الدجال ) و معروف قصة الصحابي الذي غضب فأوقد نارا فقال لمن معه من الصحابة ادخلوها فقالوا إنما اتبعنا الرسول صلى الله عليه و سلم فرارا منها ثم ذكر ذلك للرسول عليه الصلاة و السلام فقال لو دخلوها ما خرجوا منها إنما الطاعة في المعروف. فهنا لم يذكر رسول الله صلى الله عليه و سلم لا وقوع في نار الدجال و لا في جنته.
و أظن و الله أعلم أن الرسول صلى الله عليه و سلم ذكر المهرة تنتج فلوة فلا تركب حتى تقوم الساعة و لا أدري عن صحة هذه العبارة فإن كانت صحيحة فهي أيضاً مما عفا الله عنه إذ أن الأصل في الخيل هي الركوب و ليس عدمه و معلوم أن المهرة و الفلو كلها مسميات للخيل يقول الله سبحانه و تعالى ( وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ).
يتضح لنا من هذا الحديث أن الرسول صلى الله عليه و سلم كان يتكلم عن أشياء قد عفا الله عنها لأن السائل كان حذيفة بن اليمان رضي الله عنه الذي كان يسأل الرسول صلى الله عليه و سلم عن الشر.
هذا ما أحببت ذكره
سبحان ربك رب العزة عما يصفون و سلام على المرسلين و الحمد لله رب العالمين
اللهم صلي و سلم على محمد و على آله و صحبه أجمعين.